تقرير عن التنافس الاستعماري في منطقة الخليج العربي

admin

Administrator
طاقم الإدارة
تحتل منطقة الخليج العربي موقعا متميزا في إستراتيجيات الدول الكبرى , وتدور للسيطرة عليها صراعات , ناهيك عن الصراعات الدائرة بين دول المنطقة والتي تختفي بعض الأحيان وتظهر الى السطح وتدور معارك إقليمية ولمختلف الدوافع والأسباب في أحيان أخرى , فهذه المنطقة التي ترتبط بالمحيط الهندي تتمتع بأهمية دولية وإقليمية تمتد عبر التاريخ الى يومنا هذا , وتأتي أهميتها من كونها طريقا للملاحة البحرية لا يمكن الاستغناء عنه , وبمرور الزمن تباينت أهميتها السياسية والاقتصادية والعسكرية , لغناها وامتلاكها للعديد من الثروات الطبيعية والتي تأتي الثروة النفطية في المقدمة منها , فضلا عن موقعها الجغرافي الذي يتوسط العالم القديم , آسيا , وأوربا , وأفريقيا , وارتباط الخليج العربي بالمحيط الهندي الذي يتوسط النصف الجنوبي من الكرة الأرضية , وما تؤدي إليه من ممرات مائية عالمية, ومتوسط عمقه حوالي ثلاثة آلاف قدم , وطوله يقدر بحوالي 615 ميل وعرضه بين 29 ميلا عند مضيق هرمز و210 ميل في أوسع مناطقه بالقرب من وسطه , وتوجد بالقرب من السواحل أكثر من مائتي جزيرة , وسكان سواحله قبائل عربية , وقامت عليه عدد من الدول العربية شبه المستقلة , منهم بني جلندي والنبهانيون " 1154 – 1624 " , دولة اليعاربة " 1624 - 1744" , ونظام الحكم الإمامة , وقد ظل امن الخليج يتأرجح بين الاستقرار وعدمه حسب الصراعات الدولية وامتداداتها .

ومنذ قديم التاريخ وبدء التجارة العالمية كانت منطقة الخليج العربي حلقة وصل مهمة فيها , كما كانت محط التقاء القوافل التجارية البرية والبحرية , لذلك فقد تأثرت بكل حضارات العالم القديم , تدلل على ذلك الآثار التي وجدت في مواقعها الأثرية التي امتدت على طول ساحل الخليج , فقد تأثرت المنطقة بالحضارة الهندية كما تأثرت بحضارة وادي الرافدين القديمة .

وعندما بدأت النهضة الأوربية الحديثة وتزعم اسبانيا والبرتغال لحملات الاستكشافات البحرية واكتشاف رأس الرجاء الصالح مع نهايات القرن الرابع عشر الميلادي , وبحثهم الدءوب للوصول الى منافذ بحرية تؤدي الى الهند لتامين التجارة معها , فقد وصل الملاح البرتغالي فاسكوديغاما الى الخليج العربي في رحلته الشهيرة التي بدأت عام 1497 , فكانت تمثل أولى بدايات التغلغل الغربي فيها ونشوب صراع مرير استمر قرابة من مائة وخمسون عام بين الغزاة البرتغاليين وقبائل المنطقة العربية .

لقد تهيأت مجموعة من العوامل لإنهاء التواجد البرتغالي في منطقة الخليج العربي من بينها خضوع البرتغال الى التاج الاسباني , وتآمر مجموعة من الدول الأوربية التي بدأت تتأمل في توسيع رقعة مستعمراتها من خلال تطوير أساطيلها كهولندا وفرنسا وبريطانيا , بالإضافة الى الرغبة العربية في التخلص من الهيمنة البرتغالية , فتحقق طردهم من البحرين عام 1602 وبمساهمة من قوى أوربية تم إخراجهم من جزيرة هرمز 1621 , وسيطر العثمانيون على البصرة عام 1640 , وشددت القوات العربية ضربتها حيث جهز السلطان ناصر بن مرشد اليعربي , سلطان عمان قوة بحرية وبرية فحرر جلفار " رأس الخيمة " وظفار في عمان , وبعدها قام خليفته سلطان بن سيف بطرد ما تبقى من القوات البرتغالية من صحار ومسقط , وفي عام 1650 تم طرد البرتغاليين من المنطقة كلها بعد احتلال دام 143 عام .

لقد تحالف البرتغاليون الذين يمتلكون أسطول بحريا مع الفرس الذين أمدوهم بالرجال لبسط سيطرتهم على ضفتي الخليج العربي , وتحطيم أسطول العرب , فاساؤوا معاملة سكان المنطقة , الأمر الذي دفع القبائل العربية في التوحد والنهوض لقتال العدو والثأر لكرامتهم , فلم تصمد قوى الغزو أمام المقاومة العربية , بالإضافة الى ضغوط قوى عالمية أخرى جديدة ظهرت لها أطماع في المنطقة , كهولندا , وذلك للأهمية التجارية والعسكرية لمنطقة الخليج , فكان الانهيار البرتغالي بداية لعصر هيمنة جديدة تمثلت بالهيمنة الهولندية الانكليزية .

لقد حاول التغلغل الهولندي الى الخليج العربي أن يضفي على نفسه الطابع التجاري أكثر مما هو عسكري , فبواخرهم كانت تجارية اهتمت بالتبادل السلعي بالأساس ولكنهم سرعان ما حولوا تواجدهم للأغراض العسكرية , خصوصا أثناء احتدام المعارك مع القوى المحلية العربية او القوى الدولية المتواجدة في المنطقة , ففي عام 1625 ظهر الهولنديون في بندر عباس كقوة منافسة للبريطانيين , وفي عام 1680 كان الهولنديون قد تركزوا في البصرة وأقاموا المراكز والحصون المنيعة التي أسهمت في زعزعة النفوذ البريطاني في المنطقة , ولكن القوات العربية التي حاربت الهولنديين بقسوة وشدة حسمت الصراع , فما إن حل عام 1753 حتى انسحبت هولندا من البصرة , ومن بندر عباس عام 1953 , وقد قضى العرب على آخر معاقلهم المحصنة في جزيرة خرج عام 1766 , فانسحبوا الى الجزر ألأندنوسية حتى دخول اليابان الحرب العالمية الثانية حيث طردتهم منها .

لقد أصبح العالم في تلك الفترة يقيس عظمة الدولة وهيبتها من خلال عدد مستعمراته, وبالإضافة الى التناحر الاقليمي الحاصل بين الدول الأوربية على أراضيها , انتقل الصراع على المستعمرات ومحاولات بسط نفوذ كل دولة على حساب غيرها , وبما إن انكلترا كانت تتمتع بقوة بحرية وأسطول كبير , فإنها كانت تسيطر على مساحات واسعة من العالم ومن أواسط آسيا , وكانت الهند تعتبر درة التاج البريطاني التي لا يمكن الاستغناء عنها لأي سبب , في تلك الفترة كان الصراع البريطاني الفرنسي في أوج قوته وشدته , وكان الطموح الفرنسي السيطرة على طرق مواصلات بريطانية بمستعمراتها وخصوصا الهند , فامتد التغلغل الفرنسي الى الخليج العربي , كحلقة في ذلك الصراع , فأسست شركة الهند الشرقية عام 1664 وحصلت على العديد من الامتيازات في الخليج العربي , وحيث كانت الدولة العثمانية متقيدة بتقاليد ساهمت الى حد كبير بتخلفها علميا واقتصاديا وعسكريا بالقياس الى الدول الأوربية التي شهدت النهضة والتطور والحداثة الأمر الذي زاد من تطلها الى البحث عن أسواق جديدة , في ذلك الوقت بدأ النفوذ الغربي يتركز في الدولة العثمانية ومستعمراتها , وخصوصا المنطقة العربية , وقد تمثل ذلك التغلغل أما بالتجارة او تحديث القوة العسكرية العثمانية , او على شكل احتلال عسكري , كما حصل في الحملة الفرنسية على مصر عام 1798, الأمر الذي زاد من حدة التوتر والصراع بين فرنسا وبريطانيا .

مع نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين , اخذ العالم يتبلور تفكيره باتجاه الانقسام الى معسكرين , خصوصا بعد أن بدأ النفط يلعب الدور الجوهري في الصراع وخاصة بعد اكتشافه في إيران والعراق , فقد دخلت هذه المادة الستراتيجية في كل البرامج والمخططات الاستعمارية وغدت تسهم الى حد كبير في تحديد اتجاهات الصراع ورسم السياسات الأمنية للقوى الكبرى في القرن العشرين , وحتى الاتفاقيات الدولية التي عقدتها أطراف الحرب العالمية الأولى كان للنفط دور فاعل في تنظيم مواردها وتحقيق الموازنة بين أطرافها وأحيانا الى تجاوزها كما حصل بالنسبة الى ولاية الموصل حيث أشارت اتفاقية سايكس – بيكو إنها من ضمن حصة فرنسا , فدخلتها بريطانيا للسيطرة على نفطها متجاوزة لفرنسا بحجة تأخرها بالدخول إليها , وخشيتها من الاحتلال الروسي .

إن جنوب شرق آسيا كان يمثل حلم السيطرة الأوربية , والوطن العربي يقع في طريق الوصول الى تلك المنطقة الذي لابد من السيطرة عليه , وفي هذا الوقت كانت امريكا قد أصبحت قوة لا تقل في خطورتها عن أمها أوربا , بل أصبحت تؤثر بشكل او بآخر على الاقتصاد الأوربي ومورّد مهم للكثير من السلع وخصوصا العسكرية منها , بينما ألمانيا بدأت تدغدغ الفرس وتتسلل الى بلادهم خصوصا في العهد القاجاري ثم البهلوي لمواجه النفوذ البريطاني , ومحاولات إنشاء خط سكة حديد تربط برلين بالخليج العربي عام 1896.

لقد سيطرت انكلترا على خطوط الملاحة البحرية لقوة اسطولها بينما حاولت فرنسا والمانيا الوصول الى الخليج العربي برا تجنبا للقوة الانكليزية , ولكن انكلترا كانت اسبق في السيطرة فعقدت معاهدات منفردة مع شيوخ الخليج العرب تلزمهم بعدم اقامة اتفاقيات مع غيرها مقابل تأمين الحماية لهم جمعتها في معاهدة أطلقت عليها المعاهدة الأبدية عام 1853 , ثم المعاهدة المانعة عام 1892 مع شيوخ الساحل العربية , وكانت معاهدة بريطانيا مع شيخ المحمرة وشيخ الكويت قطعا لأي وصول أوربي الى منطقة الخليج العربي .

تعتبر السيطرة البريطانية على الخليج العربي الأكثر عمرا حيث امتدت من السنوات الأولى للقرن السابع عشر حتى انسحابها من الجزر العربية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى عام 1971 , وقد تميزت عن غيرها من القوى بتميز سياستها الأمنية بالشمولية والاتزان وبعد النظر , دون إهمال الجوانب الأخرى , ففي الوقت الذي عززت فيه مواقعها العسكرية في المنطقة , فقد أصبحت لها مراكز تجارية مهمة في العديد من مدن الخليج وموانئه , بالإضافة الى علاقات خاصة مع أصحاب السلطة والنفوذ الذين يمتلكون صناعة القرار , ولعلها حين استغلت ظروف الحرب العالمية الأولى فحققت كسبا دبلوماسيا مرموقا , وبخاصة بعد إن تحول الخليج العربي الى مسرح لصراعات دولية حادة , فوقعت كل من فرنسا عام 1904, وروسيا عام 1907 , والمانيا عام 1912 , اتفاقيات اعترفت فيها كل هذه الدول رسميا بالارجحية البريطانية في الخليج العربي , وفي عام 1913 حذا العثمانيون حذوهم عندما وقعوا اتفاقية مشابهة تحقق لبريطانيا الأهداف نفسها .

إن الظروف التي أفرزتها الحرب العالمية الأولى وتطوراتها أدت الى تعزيز دعائم الستراتيجية البريطانية في الخليج العربي , إذ إن الدول التي نازعتها النفوذ في المنطقة , لم تلبث أن خرجت من حلبة الصراع , ألمانيا لهزيمتها في الحرب وروسيا لتغير نظام الحكم فيها , أما فرنسا فقد اعترفت بالسيادة البريطانية المطلقة على الخليج العربي , وبادرت بإغلاق قنصليتها في مسقط عام 1920 , كآخر مظهر من مظاهر النفوذ الفرنسي في الخليج العربي , إن هذه الأسباب بالإضافة الى اضمحلال الدولة العثمانية , تظافرت لكي تتحول المنطقة الى منطقة نفوذ بريطانية .

لقد تمكنت بريطانيا من تصفية منطقة الخليج العربي من أي نفوذ آخر , ولكن سياسة الباب المفتوح التي اتبعتها الولايات المتحدة الأمريكية مكنتها من النفوذ المنطقة , فقد بدأ اهتمامها منذ اكتشاف النفط في بعض المدن الخليجية في بداية القرن العشرين حيث دخلت الى معترك الصراع من اجل النفط , ولقد تمكن كولبي شستر الامريكي من الحصول عل امتيازات التنقيب عن النفط في العراق , ولكن الولايات المتحدة لم تحصل على الموافقة البريطانية إلا في عام 1912 عندما أصبحت عضوا مساهما في شركة نفط العراق , بعدها اضطرت بريطانيا للرضوخ الى امريكا كشريك فعلي في النفوذ في الخليج العربي وفق مبدأ تبادل المصالح وتمت التسوية بينهما حينما عقدت اتفاقية الخط الأحمر عام 1942 , التي فتح المجال بموجبها للولايات المتحدة الأمريكية للوصول الى العراق ومناطق خليجية أخرى كالسعودية والبحرين وإيران .

إن نشوب الحرب العالمية الثانية كان تحفيزا آخر لواشنطن للاهتمام بالمنطقة , وبدخولها الحرب اخذ الخليج العربي يكتسب أهمية خاصة , فالنفط الذي اتجهت أنظار الولايات المتحدة الأمريكية إليه بشكل لم يسبق له مثيل إذ لم يعد هذا النفط مجرد مشروع تجاري للشركات الأمريكية بل أصبح مسألة تهم الأمن القومي الامريكي , ونظرا لاستحالة استمرار الإنتاج الامريكي منه بالمعدلات نفسها التي دعت إليها ظروف الحرب, فقد ركزت جهدها على نفط المنطقة العربية ووصلت الى قناعة جادة بان مركز الجاذبية في الإنتاج العالمي للنفط يتركز في منطقة الخليج العربي , هذا من جهة , ومن جهة أخرى فان ظروف الحرب زادت من حجم الدور العسكري الامريكي في المنطقة , أما من الجهة الثالثة فان التواجد العسكري لها والضغط الذي تمارسه على مشايخ المنطقة خلق حالة من توفير الأمن للكيان الصهيوني في فلسطين .

إن تراجع القدرات العسكرية الغربية وظروف الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية من جانب , والمعسكر الاشتراكي من جانب آخر , أدى الى تقوية النفوذ الامريكي في منطقة الخليج العربي حتى على حساب حلفائها الغربيين .

لقد عملت امريكا على إضعاف القدرات العسكرية الإقليمية لإدامة وجودها بشكل مباشر او غير مباشر وهو بطبيعة الحال إضافة الى استثمار نفط المنطقة ضمانة للوجود الصهيوني المزروع في المنطقة , وعليه ولتنفيذ هذه السياسة , دفعت بالفرس الى شن عدوانهم بقيادة خميني على العراق لمدة ثماني سنوات , وتحت ستار الدين وتصدير الثورة , وعندما استنتجت إن ذلك لم يحقق لها غاياتها حينما خرج العراق صاحب المشروع الحضاري التحرري النهضوي والقومي من ذلك العدوان اشد عودا واصلب , دفعت بمشايخ الكويت والخليج الى ممارسة سياسات استفزازية لإضعاف قدرات العراق الاقتصادية , فكان دخوله الى الكويت سببا لتحويل الخليج العربي بحيرة أمريكية مطلقة بلا منازع , خصوصا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق , وتحالفات الإستراتيجيات الأمريكية الفارسية , مما أدى بالنتيجة الى استقرار القوات الأمريكية في الخليج إضافة الى استقرارها في العراق بعد غزوها البربري له وتصفية معظم قياداته .
 
المواضيع المتشابهة المنتدى
A الصف السادس الابتدائى Sixth grade
A الصف التاسع الاعدادى Seventh grade
A الصف التاسع الاعدادى Seventh grade
M اللغة العربية للصف الثامن
M اللغة العربية للصف الثامن
M اللغة العربية للصف الثامن
M اللغة العربية للصف الثامن
M التربية الدينية الاسلامية للصف الثامن
M التربية الدينية الاسلامية للصف الثامن
M التربية الدينية الاسلامية للصف الثامن
M التربية الدينية الاسلامية للصف الثامن
M التربية الدينية الاسلامية للصف الثامن
M التربية الدينية الاسلامية للصف الثامن
M التربية الدينية الاسلامية للصف الثامن
M التربية الدينية الاسلامية للصف الثامن

المواضيع المتشابهة

أعلى